السؤال :ما رأْيكم في وجود الله سبحانه وتعالى حسب اعتقادكم لا حسب مطالعاتكم؟
الجواب :إعتقادنا وجود الله الإله الحق سبحانه لا إله إلا هو، واعترافنا بذلك أَمر فطري وضروري، وكل إنسان ذي فطرة سليمة يعترف بذلك ومجبول على الإقرار به لما يشاهده في نفسه من خلقه على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة الكاملة الشكل والوظيفة، وعجائب الإبداع في خلقه أَضخم من إدراكه هو وأَعجب من كل ما يراه حوله، ثم ما يشاهده من الحدوث والخلق والتسخير في مخلوقات الله الأخرى كالسموات بما هي عليه من ارتفاع على غير عمد نراها، وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة وغير السيارة ومن الثوابت، ودورانها في الفلك العظيم في كل يوم وليلة، كما أَن لها في نفسها سيرًا يخصها، وكالبحار المكتنفة للأَرض من كل جانب، والجبال الموضوعة فيها لتقر وتسكن مع اختلاف أَشكالها وأَلوانها. وكالأَنهار السارحة من قطر إلى قطر، للمنافع، وما ذرأَ الله في الأَرض من الحيوانات المتنوعة، والنبات المختلف الطعوم والروائح والأَشكال والأَلوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء. وكذلك اختلاف الليل والنهار والشمس والقمر وتعاقبها بنظام لا يختلف ولا يتبدل، كل ذلك دليل على وجود الله العلي القدير وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم، لا إله غيره ولا رب سواه، عليه توكلت وإليه أُنيب.
هذا وشواهد المخلوقات على وجود الله سبحانه كثيرة لا تحصر.
ولما حضر أُناس إلى الإمام أَبي حنيفة رحمه الله وسأَلوه عن وجود الله سبحانه وتعالى، قال لهم: دعوني فإني مفكر في أَمر أُخبرت عنه، لقد ذكر لي أَن سفينة في البحر موقرة فيها أَنواع من المتاجر وليس بها أَحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أَن يسوقها أَحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل. فقال لهم الإمام أَبو حنيفة: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأَشياء المحكمة أَليس لها صانع؟ فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأَسلموا على يديه لله رب العالمين. (ص-م-11-10-87هـ) (1).
هذه المصنوعات من أَدلة التوحيد، فإنها مما يحقق أَن الله على كل شيء قدير، وأَنه ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن. وقدرته تعالى ومشيئته ليست محصورة في وقت بل هي دائمة باستمرار، بل مما يحقق شهادة أَن محمدًا رسول الله، ولكن لمن شهد أَنه رسول الله حقًا وصدق بأخباره ورسالته، فإنه يرى في الوجود الآن نوع ما أَخبر به(2) – لا عينه – فإنه أَخبر بتقارب الأَسواق(3) وأَن الدجال يقطع الأَرض في وقت قصير(4) وقوله: (فَيُبصِرُهُم النَّاظِرُ وَيُسمِعُهُم الْدَّاعِي)(5).
دعاة الإلحاد الآن يخاف على الشباب منهم أَكثر مما يخاف من دعاة الوثنية، فإنهم بثوه بأَساليب عديدة في الناس فكان ضررهم أَكثر، والصولات والجولات الآن معهم. (تقرير) (6).
(1) قلت: وخير ما كتب في بيان الحكم البالغة في المخلوقات على اختلاف أجناسها بالتفصيل ودلالتها على وجود خالقها العظيم ما جمعه ابن القيم في كتابه ( مفتاح دار السعادة ص 204- 326) من ذلك قوله: ((فصل)) وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه إلى التفكر فيه اوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله. وقوله: ((فصل)) في ان اختلاف صور الانسان من أقوى الدلائل على نفي الطبيعة. وجاء في بدائع الفوائد نحو ذلك (ص 162- 166).
وقبله شيخ الاسلام ابن تيمية قال في هذا المعنى: وحدانية الربوبية معلومة بالشرعة النبوية، والفطرة الخلقية، واتفاق الأمم، والمعجزات، وغير ذلك من الدلائل.
وقال: طريقة القرآن والأنبياء في اثبات الصانع الاستدلال بآياته –التي هي العلامات- التي يستلزم العلم بها العلم به كاستلزام العلم بالشعاع العلم بالشمس، والاستدلال بالآيات هو الواجب، وان كانت الطرق القياسية صحيحة، لكن فائدتها ناقصة (أنظر فهرس هذه الأدلة مجموعا في جـ 36 من مجموع فتاويه ص 21- 23).
(2) عن اليوم الآخر.
(3) فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمن ويكثر الهرج قيل وما الهرج قال القتل)) رواه الامام أحمد وابن حبان في صحيحه وزاد فيه ((ويقبض العلم)). والظاهر والله أَعلم أن ذلك إشارة إلى ما وجد في زماننا من المراكب الأَرضية والجوية والآلات الكهربائية التي قربت البعيد.
(4) . ((قال يا رسول الله وما اسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح)) أخرجه مسلم وأبو داوود والترمذي.
(5) في حديث أبي هريرة ((يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون)) أخرجه ابن خزيمة في ((التوحيد ص 157)) وللشيخين والترمذي عن أبي هريرة ((فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي)).
(6) والالحاد المطلق أعظم من الوثنية، قال: ابن تيمية رحمه الله: من التزم التعطيل المطلق فهو أعظم جحدًا من ابليس (جـ 5 ص 356). وقال أيضًا: المستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر أعظم كفرًا، وإن كان عالمًا بوجود الله وعظمته. ( جـ 7 ص 631، 632).