السؤال :
لقد انتشر بين الشّباب فكر جديد ورأي جديد، وهو أنّهم يقولون: لا نُبَدِّعُ من أظهر بدعة حتى نقيم عليه الحُجَّة، ولا نبدِّعُهُ حتى يقتنع ببدعته؛ دون الرُّجوع إلى أهل العلم والفتوى؛ فما هو منهج السّلف في هذه القضيّة الهامّة؟
الجواب :
البدعة هي ما أُحدِثَ في الدّين من زيادة أو نقصان أو تغيير، من غير دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ) [رواه البخاري في "صحيحه" (3/167) من حديث عائشة رضي الله عنها.]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإيّاكم ومُحدثاتِ الأمور؛ فإنّ كلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار) [رواه النسائي في "سننه" (3/188، 189) من حديث جابر بن عبد الله، ورواه الإمام مسلم في "صحيحه" بدون ذكر "وكل ضلالة في النار" (2/592) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه(4).]، وقال تعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3.].
فالبدعة إذًا إحداث شيء في الدين، ولا تُعرَفُ بآراء هؤلاء ولا بأهوائهم، وليس الأمر راجعًا إليهم، وإنما الأمر راجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فليست السّنّة ما تعارفه الناس والبدعة ما لم يتعارفوه، أو السنة ما رضي به زيد أو فلان... فإن الله سبحانه وتعالى لم يكلنا إلى عقولنا أو آراء الناس، بل أغنانا بالوحي المنزَّل على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالسّنّة ما جاء بها الرّسول صلى الله عليه وسلم، والبدعة ما لم يأت بها الرّسول صلى الله عليه وسلم؛ من الأقوال والأفعال.
ليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو أنه سنّة حتى يعرضَهُ على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمّا إن فعله عن جهل، وظنّ أنّه حقٌّ، ولم يُبيّن له؛ فهذا معذورٌ بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعًا، ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أنّ عمله هذا بدعة.
وننصح الشّباب الذين يسلُكون هذا المنهج، ويحكمون على الأشياء حسب أهوائهم: أن يتَّقوا الله سبحانه وتعالى، وأن لا يتكلَّموا في الدّين إلا عن علم ومعرفة.
لا يجوز للجاهل أن يتكلّم عن الحلال والحرام، والسّنّة والبدعة، والضّلالة والهُدى، بدون علم؛ فإنّ هذا قرين الشّرك؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33.]؛ فجعل القول على الله بلا علم مع الشّرك؛ ممّا يدلّ على خطورته.
فأمور الدّين وأمور العلم لا يجوز الكلام فيها إلا على بصيرة وبيّنة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الكذب على الله كالكذب على غيره، وليس الكذبُ على الرّسول صلى الله عليه وسلم كالكذب على غيره؛ قال صلى الله عليه وسلم: (مَن كذبَ عليّ مُتعمّدًا؛ فليتبوّأ مقعده من النّار) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (1/35-36) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، (5)]، وقال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [الزمر: 32.]؛ فلا يجوز لأحد أن يتكلّم في أمور الدّين والحكم على الناس إلا بالعلم والدّليل والبيّنة من كتاب الله وسنّة رسوله.