السؤال :
هناك من يرى أن من يسير على مذهب السَّلف لديه سطحيَّة في فهم أمور العقيدة، معلِّلين ذلك بأن مذهب السَّلف لا يَسبُرُ غَوْرَ النُّصوص، ولا يتفاعل معها، ويرون أن طريقة غيرهم أكثر فهمًا للنصوص في مسائل العقائد؛ فما رأيكم في مثل هذا الكلام؟
الجواب :
القول بأن مذهب السلف فيه سطحيَّة لأنه - في نظر القائل - لا يَسبُرُ غَوْرَ النُّصوص، وأن مذهب الخلف أكثر فهمًا للنصوص في مسائل العقيدة وأوسع! هذا القول يقولُه علماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم؛ حيث قالوا: طريقة السلف أسلم، وطريق الخلف أعلم وأحكم! وهذا القول مبنيٌّ على فهم فاسد لمذهب السلف ومذهب الخلف؛ حيث ظنُّوا أن مذهب السلف لا فهم فيه، وإنما هو تفويض نصوص الصفات دون فهم لمعانيها، وأن الخلفَ فهموا وعرفوا أن هذه النصوص على غير ظاهرها، فأوَّلوها إلى معان أخرى؛ كتفسير الوجه بالذَّات، واليد بالقدرة، والاستواء على العرش بالاستيلاء... وغير ذلك.
وهذا الفهم لمذهب السلف مذهب باطل، وفيه تجهيل للصحابة والتابعين والقرون المفضَّلة، واتِّهامٌ لهم بأنهم لا يفهمون هذه النصوص، وهذا خلاف الواقع؛ فإن السلف لم يكن مذهبهم التفويض، وإنما مذهبهم الإيمان بهذه النصوص كما جاءت، وإثبات معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي، مع نفي التَّشبيه عنها؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11.]؛ فطريقتهم أعلم وأسلم وأحكمُ؛ لأنَّ الأسلم لا بدَّ أن يكون أعلم وأحكم.
فقول الخلف: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم! قول متناقضٌ؛ إذ كيف تكون السّلامة بدون العلم والحكمة؟!
ثم أيضًا؛ كيف يكون المتأخرون أعلم من السابقين الأوَّلين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباع التابعين، الذين شَهِدَ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيريَّة، فقال: (خيركم قرني، ثم الذين يلونَهم، ثم الذين يلونَهم) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (3/151) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.]؟!