السؤال :
هناك من يزهد في دروس العقيدة، ويقول: نحن مسلمون ولسنا بكفرة أو مشركين حتى نتعلم العقيدة أو ندرسها في المساجد. فما توجيه فضيلتكم حيال هذا؟
الجواب :
ليس معنى تدريس العقيدة وتعليم العقيدة أننا نحكم على الناس أنهم كفَّار، نحن ندرسها للمسلمين والموحدين من أجل أن يعرفوها تمامًا ويعرفوا ما يناقضا ويعرفوا ما يضادها.
وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صحابي جليل يقول: (كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن أقع فيه) [رواه الإمام البخاري في صحيحه (4/178) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.].
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية".
فنحن إذا درسنا العقيدة ليس معناه أننا نحكم على الناس بالكفر، لا بل معناه أننا نريد أن نعرف العقيدة الصحيحة حتى نتمسك بها ونعرف ما يضادها حتى نتجنبها.
الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19.]؛ فلا بد أن الإنسان يتعلم ولا يكتفي أنه يقول: إنني أنا مسلم! أنت مسلم والحمد لله؛ لكن لو سألناك: ما هو الإسلام؟ أو قلنا لك: عرِّف لنا الإسلام؟ فالكثيرون لا يستطيعون أن يُعرِّفوا الإسلام تعريفًا صحيحًا. ولو قلت: بين لي نواقض الإسلام؟ فالكثيرون لا يعرفون نواقض الإسلام، وإذا جهلها؛ يوشك أن يقع فيها وهو لا يدري. ولو قلت: بيِّن لي أركان الإسلام، أو: بيِّن لي أركان الإيمان التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم واشرحها لي. لوجدنا الكثيرين لا يعرفون ذلك.
كيف تقول: إنك مسلم وأنت لا تعرف هذه الأمور؟
بل إن الكثير من الدعاة لا يعرفون شروط الصلاة، ولا يعرفون أحكام الوضوء، ولا يعرفون نواقض الوضوء، ولا يعرفون أركان الصلاة، وواجبات الصلاة، ولا يعرفون مبطلات الصلاة، أين هؤلاء من الإسلام؟!
الإسلام ليس دعوى فقط، الإسلام حقيقة ومعرفة... لا بد من المعرفة والعلم والبصيرة؛ لأن الذي لا يعلم يقع في الخطر وهو لا يدري، مثل الجاهل الذي يسير في طريق لا يعرفه، وهذا الطريق فيه حفر وفيه أعداء وسباع؛ يقع في الخطر وهو لا يدري.
فلا بد من تعلُّم التوحيد؛ لأن التوحيد هو الأساس، ولا يزهد في تعلم التوحيد إلا أحد رجلين: إما جاهل، والجاهل لا عبرة به، وإما مغرض مُضِل يريد أن يصرف الناس عن عقيدة التوحيد، ويريد أن يسدل الغطاء على عقائد المنحرفين الذين ينتسبون إلى الإسلام وعقائدهم فاسدة، يريد أن يرُخي الستار عليها، ولا ينكر عليها، ويدخلوا مع الناس، ويتزعموا الناس، وهم أصحاب عقائد منحرفة. هذا يمكن يريده كثير من هؤلاء.
والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122.]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِد الله به خيرًا؛ يُفَقِّههُ في الدِّين) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (1/25، 26) من حديث معاوية رضي الله عنه.]؛ فمفهوم الحديث أن الذين لا يريد الله به خيرًا لا يفقهه في الدين؛ فهذا الذي يقول: لا تتعلموا العقيدة! يقول: لا تتفقهوا في الدين! وهذا إما جهل وإما تضليل.