السؤال :
يوجد في بلدنا جبل، وفي هذا الجبل كهف صغير، ويعتقد بعض الناس أنه الكهف المذكور في القرآن، ولذلك تراهم دائمًا مجتمعين عنده، ويُقرِّبون عنده القرابين، ويذبحون عنده، ويضعون فيه العشرات من الأكفان وهذا الاعتقاد موجود منذ أكثر من مئتي سنة؛ فما هي نصيحتكم لهؤلاء الناس؟ وما هي قصة الكهف الحقيقي؟ وأين هو؟ وفي أي زمان كانت قصة أصحاب الكهف؟
الجواب :
الكهف الذي ذكر الله في القرآن قصة أصحابه لم يبين الله سبحانه وتعالى في أي زمان هو ولا في أي مكانٍ هو؛ لأنه ليس لنا مصلحة في ذلك، وإنما العبرة فيما حصل لهم من النوم الطويل على حالتهم التي ذكرها الله، ثم إن الله سبحانه وتعالى بعثهم ليكون بذلك عبرة للعباد، ويستدلوا بذلك على البعث من القبور؛ لأن الذي أنام هؤلاء الفتية زمنًا طويلاً ثم بعثهم بعد مدة مع بقاء أجسادهم وشعورهم لم يضع منها شيء؛ هذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى وعلى أنه يبعث من القبور.
هذا موطن العبرة من هذه القصة، أما معرفة مكان الكهف، أو زمان حصول هذه القصة؛ فهذا ما لم يبينه الله جل وعلا؛ لأنه لا حاجة لنا بذلك.
وهذا الكهف الذي تذكر لا دليل على أنه الكهف المذكور في القرآن، والكهوف كثيرة في الأرض؛ فما الذي يُميز هذا عن غيره من الكهوف، ويجعله هو الكهف المعني في القرآن؟!
وحتى لو ثبت أن هذا هو الكهف المذكور في القرآن؛ فإنه لا يجوز لنا أن نعمل حوله شيئًا من العبادات والطاعات؛ لأن العبادات توقيفية، لا يجوز الإقدام على شيء منها في زمان أو مكان أو نوعية العبادة إلا بتوقيف وأمر من الشارع، أما من أحدث شيئًا لم يأمر به الشارع من العبادات أو مكانها أو زمانها أو صفتها؛ فهي بدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة) [رواه الإمام مسلم في "صحيحه" (2/592) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعدي؛ تمسَّكُوا بها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بدعةٌ، وكُلَّ بدعَةٍ ضلالةٌ) [رواه الإمام أحمد في "مسنده" (4/126، 127)، ورواه أبو داود في "سننه" (4/200)، ورواه الترمذي في "سننه" 7/319، 320)؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رَدّ) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (3/167) من حديث عائشة رضي الله عنها.]، وفي رواية: (مَن عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو رَدّ) [رواها الإمام البخاري في "صحيحه" (8/156) مُعلقًا، ورواه الإمام مسلم في "صحيحه" (3/1343، 1344) من حديث عائشة رضي الله عنها.].
بل إن هذه الأعمال التي ذكرتها تتجاوز البدعة إلى الشرك؛ لأن التقرب إلى الأمكنة أو التقرب إلى الأموات أو التقرب إلى أي مخلوقٍ بنوع من العبادة يُعتبر شركًا أكبر مُخرِجًا من المِلَّة.
فالواجب عليكم أن تنصحوا وتبينوا لهم عقيدة التوحيد، وأن المؤمن يجب عليه إخلاص العقيدة وإخلاص التوحيد، وإخلاص العبادة لله عز وجل، كما يجب عليه أن يتجنب البدع والمُحدَثَات، ولا يعتمد على حكايات العوام وأخبار العوام، ولا يقتدي بأفعال العوام والجُهّال ولا العلماء المُضلِّلين، وإنما يعتمد على ما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يستطيع معرفة ذلك من الكتاب والسنة؛ فعليه أن يسأل المحقِّقين من أهل العلم والراسخين في العلم والناصحين لعباد الله المُتَمَسِّكين بالعقيدة الصحيحة الذين يُمَيِّزون بين الحق والباطل وبين الهُدى والضلال، حتى يكون على بصيرة من أمره، ولا سيما أمر العقيدة؛ فإنَّ العقيدة هي ضمانة النجاح في الدنيا والآخرة والخلاص من عذاب الله؛ فمن فسدت عقيدته؛ فإنه يكون خاسرًا في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، ومن صلُحت عقيدته؛ يكون هو السعيد في الدنيا والآخرة.
إذن؛ فالأمر ليس أمرًا سهلاً، وإنما أمرٌ تترتب عليه النجاة أو الهلاك.
فعلى المسلم أن يهتم بعقيدته، وأن يحافظ عليها، وأن يسأل عما أشكلَ عليه أهل العلم المخلصين الذين هم القدوة وبهم الأسوة، يقول الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43.]. وبالله التوفيق.