المصدر : مجموع فتاوى ابن تيمية
موضوع الفتوى : العقيدة الكتاب : كتاب توحيد الألوهية
السؤال :
سُئلَ شَيْخُ الإسْلاَم ـ رَحمَهُ اللَّه ـ عن [الروح المؤمنة] أن الملائكة تتلقاها وتصعد بها إلى السماء التي فيها الله.
الجواب :
أما الحديث المذكور في (قبض روح المؤمن، وأنه يصعد بها إلى السماء التي فيها اللّه): فهذا حديث معروف جيد الإسناد، وقوله: (فيها اللّه) بمنزلة قوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ . أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16، 17]، وبمنزلة ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية معاوية بن الحكم: (أين اللّه؟)، قالت: في السماء، قال: (من أنا؟) قالت: أنت رسول اللّه. قال: (أعتقها فإنها مؤمنة). وليس المراد بذلك أن السماء تحصر الرب وتحويه، كما تحوي الشمس والقمر وغيرهما، فإن هذا لا يقوله مسلم، ولا يعتقده عاقل، فقد قال ـ سبحانه وتعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة: 255]، والسموات في الكرسي كحلقة ملقاة في أرض فَلاة [الفَلاة: الأرض لا ماء فيها]، والكـرسي فـي الـعرش كحـلقة ملقاة في أرض فلاة، والرب ـ سبحانه ـ فوق سمواته، على عرشه، بائن من خلقه؛ ليس في مخلوقاته شىء من ذاته، ولا في ذاته شىء من مخلوقاته. وقال تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، وقال: {فّسٌيحُوا فٌي الأّرضٌ} [التوبة: 2]، وقال: {يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 26] وليس المراد أنهم في جوف النخل، وجوف الأرض، بل معنى ذلك أنه فوق السموات، وعليها، بائن من المخلوقات، كما أخبر في كتابه عن نفسه أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش. وقال: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وقال تعالى} تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وقال: {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وأمثال ذلك في الكتاب والسنة وجواب هذه المسألة مبسوط في غير هذا الموضع.
|
|