المصدر : مجموع فتاوى ابن تيمية
موضوع الفتوى : العقيدة الكتاب : كتاب توحيد الألوهية
السؤال :
كتاب عبد الله بن تيمية لأخيه زين الدين
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم من أخيه عبد الله بن تيمية إلى الشيخ الإمام العالم الفاضل الصدر الكبير زين الدين _ ـ زينه الله تعالى بحلية أوليائه وأكرمه في الدنيا والآخرة بكرامة أصفيائه وجعل له البشرى بالنصر الأكبر على أعدائه وأوزعه شكر النعماء خصوصا أفضل نعمائه بما من الله به سبحانه من النصر العزيز للإسلام وللسنة وأهلها على حزب الشيطان وأوليائه ـ أما بعد فإنى أحمد اليك الله الذي لا اله إلا هو وهو للحمد أهل وأصلي على نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأعرفه بما من الله سبحانه علينا وعلى المسلمين أجمعين بالنصر الأكبر والفتح المبين، وهو وإن كانت العقول تعجز عن دركه على التفضيل والألسن عن وصفه عن التكميل لكن نذكر منه ما يسر الله سبحانه ملخصا خاليا عن التطويل. وهو أنه لما كان يوم الاثنين ثامن من رجب جمع نائب السلطان القضاة الأربعة ونوابهم والمفتين والمشايخ نجم الدين؛ وشمس الدين؛ وتقي الدين؛ وجمال الدين؛ وجلال الدين نائب نجم الدين؛ وشمس الدين بن العز نائب شمس الدين؛ وعز الدين نائب تقي الدين؛ ونجم الدين نائب جمال الدين؛ والشيخ كمال الدين بن الزملكاني؛ والشيخ كمال الدين بن الشرشي؛ وابن الوكيل من الشافعية؛ والشيخ برهان الدين بن عبدالحق من الحنفية؛ والشيخ شمس الدين الحريرى من المالكية؛ والشيخ شهاب الدين المجد من الشافعية؛ والشيخ محمد بن قوام؛ والشيخ محمد بن إبراهيم الأرموي؛ ثم سأل نائب السلطان عن الاعتقاد فقال ليس الاعتقاد لي ولا لمن هو أكبر مني بل الاعتقاد يؤخذ عن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه سلف الأمة يؤخذ من كتاب الله تعالى ومن أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما من الأحاديث المعروفة وما ثبت عن سلف الأمة، فقال الأمير نريد أن تكتب لنا صورة الاعتقاد، فقال الشيخ: إذا قلت الساعة شيئًا من حفظي قد يقول الكذابون قد كتم بعضه أو داهن بل أنا أحضر ما كتبته قبل هذا المجلس بسنين متعددة قبل مجيء التتار، فأحضرت الواسطية وسبب تسميتها بذلك أن الذي طلبها من الشيخ رجل من قضاة واسط من أصحاب الشافعي قدم حاجًا من نحو عشر سنين ـ وكان فيه صلاح كبير وديانة كبيرة ـ فالتمس من الشيخ أن يكتب له عقيدة، فقال له الشيخ: الناس قد كتبوا في هذا الباب شيئًا كثيرًا فخذ بعض عقائد أهل السنة، فقال: أحب أن تكتب لي أنت، فكتب له وهو قاعد في مجلسه بعد العصر هذه العقيدة. ذكر الشيخ للأمير معنى هذا الكلام ثم قرئت على الحاضرين من أولها إلى آخرها كلمه كلمة وبحث في مواضع منها وفيهم من في قلبه من الشيخ ما لا يعلمه الا الله، وكان ظنهم أنهم اذا تكلموا معه في هذا الكتاب أظهروا أنه يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة وأوردوا ثلاثة أسئلة في ثلاث مواضع وهي تسميتها باعتقاد أهل الفرقة الناجية؛ وقول استوى حقيقة؛ وقول فوق السموات. فقال الشيخ للكاتب الذي أقعده نائب السلطان وهو الشيخ كمال الدين بن الزملكاني اكتب جوابها ـ وكان المجلس قد طال من الضحى إلى قريب العصر ـ فأشاروا بتأخير ذلك إلى مجلس ثان وهو يوم الجمعة ثانى عشر رجب، فاجتمعوا هم وحضر معهم الصفي الهندي، وحضرت أنا المجلس الثاني وما علمت بالمجلس الأول حين حضروا وقد كانوا بحثوا في تلك الآيام بالفصوص وطالعوه واتفقوا على أنهم لا يبقوا ممكنا، فلما حضرت بعد صلاة الجمعة واستقر المجلس أثنى الناس على الصفي الهندي وقال جماعة منهم هو شيخ الجماعة وكبيرهم في هذا وعليه اشتغل الناس في هذا الفن واتفقوا على أنه يتكلم مع الشيخ وحده فإذا فرغ تكلم واحد بعد واحد. فخطب الشيخ فحمد الله وأثنى عليه بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه ثم قال: إن الله تعالى أمرنا بالجماعة والإئتلاف ونهي عن الفرقة والاختلاف، وربنا واحد ورسولنا واحد وكتابنا واحد وديننا واحد، وأصول الدين ليس بين السلف وأئمة الإسلام فيها خلاف، ولا يحل فيها الافتراق لأن الله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: 103]. ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]. وهذا الباب قد تنازع الناس فيه ويقول هذا أنا حنبلي ويقول هذا أنا أشعري، وقد أحضرت كتب الأشعري وكتب أكابر أصحابه مثل كتب أبي بكر بن الباقلاني، وأحضرت أيضًا من نقل مذاهب السلف من المالكية والشافعية والحنبلية وأهل الحديث وشيوخ الصوفية وأنهم كلهم متفقون على اعتقاد واحد وكذلك أحضر نقل شيوخ أصحاب أبي حنيفة مثل محمد بن الحسن والطحاوي وما ذكروه من الصفات وغيرها في أصول الدين، وقرأ فصل مما ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه [الإبانة] وأنه يقول بقول الإمام أحمد، وأحضر كتاب التمهيد للقاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأحضر النقول عن مالك وأكابر أصحابه مثل ابن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وغيرهما من كبار أصحاب مالك بتصريحهم أن الله مستو بذاته على العرش، وقال: أما الذي أذكره فهو مذهب السلف وأحضر ألفاظهم وألفاظ من نقل مذاهبهم من الطوائف الأربعة وأهل الحديث والمتكلمين والصوفية، وأذكر موافقة ذلك من الكتاب والسنة، وأنه ليس في ذلك ما ينفيه العقل، وإن كان الله تعالى يجمع قلوب الجماعة على ذلك فالحمد لله رب العالمين وان خالف مخالف لذلك كان في كلام الآخر ما أقوله وأكشف الأسرار وأهتك الأستار وأبين ما يحتاج إليه بيانه واجتمع بالسلطان، وأقول له كلاما آخر وكان يومًا عظيمًا مشهودًا بين فيه للحاضرين من البحث والنقل أمر عظيم وبحث عن أشياء خارجة عن العقيدة الواسطية لما أحضر لهم جوابه في مسألة القرآن ومسألة الاستواء لما سئل عنها قديما من نحو اثني عشر سنة، وقرأ عليهم من ذلك الجواب، وسألوه عن ألفاظ في المسألة الحموية وأوردوا عليه جميع ما في أنفسهم من الأجوبة وقالوا هذا سؤالنا وما بقي في أنفسنا شيء، فلما أجاب الشيخ عن أسئلتهم وافقوه وانفصل المجلس على ذلك، وكان قال لهم كل من خالف شيئًا مما قلته فليكتب بخطه خلافه ولينقل فيما خالف في ذلك عن السلف أو يكتب كل شخص عقيدة وتعرض هذه العقائد على ولاة الأمور ويعرف أيها الموافق للكتاب والسنة، وقال أيضًا: من جاء بحرف واحد عن السلف بخلاف ما ذكرت فأنا أصير إليه وأنا أحضر نقل جميع الطوائف أنهم ذكروا مذهب السلف كما وضعته، وأنا موافق السلف ومناظر على ذلك، وجميع أئمة الطوائف من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والأشعرية وأهل الحديث والصوفية موافقون ما أقوله. وسألوه عن الظاهر، هل هو موافق؟ أم لا؟ فقال: هذا ليس في العقيدة وأنا أتبرع بالجواب عن أكثر من حكى مذهب السلف كالخطابي وأبي بكر الخطيب والبغوي وأبي بكر وأبي القاسم التميمي وأبي الحسن الأشعري وابن الباقلاني وأبي عثمان الصابوني وأبي عمر بن عبد البر والقاضي أبي يعلى والسيف الآمدي وغيرهم في نفي الكيفية والتشبيه عنها، وأن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات يحتذي فيه حذوه ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وقد نقل طائفة أن مذهب السلف أن الظاهر غير مراد، قال: والجمع بين النقلين أن الظاهر لفظ مشترك، فالظاهر الذي لا يليق إلا بالمخلوق غير مراد، وأما الظاهر اللائق بجلال الله تعالى وعظمته فهو مراد أنه هو المراد في أسماء الله تعالى وصفاته مثل الحي والعليم والقدير والسميع والبصير وجرت بحوث دقيقة لا يفهمها إلا قليل من الناس، وبين أن الله تعالى فوق عرشه على الوجه الذي يليق بجلاله، ولا أقول فوقه كالمخلوق على المخلوق كما تقوله المشبهة، ولا يقال أنه لا فوق السموات ولا على العرش رب كما تقوله المعطلة الجهمية، بل يقال أنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه. وتكلم على لفظ الجهة وأنه معنى مشترك، وعلى لفظ الحقيقة.
|
|