السؤال :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:
الجواب :
وأما الأدلة من السنة فقد ورد في الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة، مثل قصة معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه، وفي حديث الرقية الذي رواه أبو داود وغيره: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض الحديث، وقوله في حديث الأوعال والعرش فوق ذلك والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقوله في الحديث الصحيح للجارية: أين الله؟ قالت في السماء قال من أنا؟ قالت أنت رسول الله فقال أعتقها فإنها مؤمنة أخرجه مسلم في صحيحه إلى أمثال ذلك من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمفيدة علما يقينيا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ أن الله سبحانه على عرشه، وأنه فوق السماء، كما فطر الله على ذلك جميع الأمم، عربها وعجمها، في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته، ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفا، ثم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف الأمة، لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف - حرف واحد يخالف ذلك، لا نصا ولا ظاهرا، ولم يقل أحد منهم قط أن الله ليس في السماء، ولا أنه ليس على العرش، ولا أنه بذاته في كل مكان، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها، بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة في يوم عرفات، في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول: ألا هل بلغت؟ فيقولون نعم فيرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها إليهم ويقول اللهم اشهد غير مرة، وأمثال ذلك كثير.
كما أوضح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم. انظر الفتاوى جـ ص 14 . والمقصود أن هذا المعتقد الفاسد الذي تعتقده الجهمية المعطلة ومن سار على سبيلهم من أهل البدع، من أفسد المعتقدات وأخبثها، وأعظمها بلاء وتنقصا للخالق جل وعلا، نعوذ بالله من زيغ القلوب. والأدلة على بطلان هذا المذهب الضال كثيرة، فإن العقل الصحيح والفطرة السليمة ينكران ذلك، فضلا عن الأدلة الشرعية الثابتة، أما استدلال بعضهم بالآيات المذكورة آنفا، فإنه من أبطل الباطل، حيث زعموا أنه يؤخذ من الآيات أن الله موجود بذاته في الأرض بجانب الطور تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقد خفي على هذا القائل أن المعية نوعان: عامة وخاصة، فالخاصة كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وقوله سبحانه: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وقوله: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى وأشباهها من الآيات. فهو سبحانه مع أنبيائه وعباده المؤمنين المتقين بالنصر والتأييد، والإعانة والتوفيق والتسديد والكفاية والرعاية والهداية. كما قال عز وجل فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وليس معنى ذلك أن يكون الله سبحانه جوارح للعبد - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - إنما المراد تسديده وتوفيقه، في جوارح العبد كلها كما تفسر ذلك الرواية الأخرى، حيث قال سبحانه: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي فوضح بهذا سبحانه أن المراد من قوله: كنت سمعه إلخ: توفيقه وتسديده وحفظه له من الوقوع فيما يغضبه.
وكلام السلف في هذا المقام أكثر من أن يحصر. والمقصود بيان أن هذا المعتقد وهو القول بأن الله بذاته في كل مكان، وأن معنى قوله وَهُوَ مَعَكُمْ أنه معهم بذاته وأنه لا تجوز الإشارة إليه - قول في غاية السقوط والبطلان، كما هو جلي من الأدلة الكثيرة الصريحة، التي سبق ذكر بعضها، وواضح بطلانه من إجماع أهل العلم، الذي نقله عنهم من سبق ذكره من الأئمة.
وبهذا يتضح أن القائلين بالحلول، أعني حلول الله سبحانه بين خلقه بذاته ومن قال بقولهم، قد جانبوا الصواب وأبعدوا النجعة، وقالوا على الله خلاف الحق، وتأولوا الآيات الواردة في المعية على غير تأويلها الذي قاله أهل العلم. نعوذ بالله من الخذلان، ومن القول على الله بلا علم، ونسأله الثبات على الحق والهداية إلى سبيل الرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.